بداية جديدة

بدأت في كتابة هذه التدوينة منذ ٢٣مايو وهو يوم ميلادي، وكما هو واضح من العنوان كنت أريد بداية جديدة لعمر جديد، لا أحمل فيه المخاوف والأسئلة التي حملتها معي لسنوات، دون أن أبحث عن أجوبة حقيقية، كنت أحملها فقط و كأنني بحملي لها واعترافي بوجودها أكون قد فعلت كل ما علي فعله والأمر للسنين والتجارب لتجد نهاية لها، وكنت أرى أن النهاية تكون بمخاوف و أسئلة أخرى، لكن وجدت أنني أزيد الحمل على نفسي دون أن تسقط السنين بمرورها بعضه.

بداية جديدة(1)

حسب تصنيف وزارة الصحة فأنا في السنة الاخيرة من مراهقتي، وبما أنها السنة الاخيرة فأنا أريد استغلالها في محاولة الوصول إلى نقطة البداية الاخيرة، لأدخل مرحلة الشباب وأنا في طريقي الصحيح ولا أضيعه هو أيضا في الشتات.

أتسائل هل هناك شخص بدأ عمر جديد وهو راضي عن نفسه؟ لأنك تفقد احساسك بالزمن حتى تبدأ عام جديد من حياتك و تقول: كنت أظن أنني سأكون في مكان مختلف الآن. ولكن أنت ما زلت عالق في المكان ذاته، مع أعتياد أقوى من ذلك الذي كنت تشعر به في ١٩ أو ٢٠، تفقد الغضب الذي كان يجبرك على التغيير والحزن الذي كان يمنعك من النوم، وتتقبل أنك لن تكون في المكان الذي تريده و أنك ليس لديك رغبة حقيقية بالتغيير.

مشكلتي كانت دائما مع الزمن ومع مروره السريع ومن هروبه مني وركضي خلفه، ومحاولتي الامساك به ومنعه من الحركة، والآن تقبلت أن الزمن سيمر علي كما يمر على غيري، و أن الشيب سيغطي شعري، و التجاعيد ستملأ وجهي، و أقصى ما أستطيع فعله هو أن أسير بجانب الزمن و أن أمسك بيده ليأخذني معه في مسيره، ولا أبقى وراءه مع الماضي والذكريات. بالنسبة لي هذه قفزة روحية أو معرفية أو أي يكن ولكنها تطور كبير، لم أكن احلم به قبل عام من الآن.

كنت أؤجل هذه البداية و أضع اللوم على كل شيء ما عدا نفسي، سأنتظر أن ينتهي ذلك الشيء، أو أن يساعدني ذلك الشخص، أو حتى ينتهي ذلك الظرف، إلا أن الحياة لن تسهل لي السبل والطرق حتى أفعل ما أريده، وحدي من سأفعل ذلك.

أغلب الأشياء التي أريد أن أصل إليها إن لم تكن كلها هي أشياء معنوية وليس لها وجود مادي، منها الرضا والصبر و أهمها أنني أريد أن أنتمي لهذه الأرض، ولهذا العالم، لأنني في أوقات كثيرة أشعر أني تسللت إليه وفي أي لحظة سيكتشف شخصا ما ذلك و أضطر للهروب، أو أسوء من ذلك أن أشرح و أفسر ذاتي و أجيب على سؤال: من أنا.

بداية جديدة(2)

من الصفات التي أخاف أن أوصف بها، هي نكران الجميل، أخاف دائما أن لا أقدر الحب الذي قدم لي في وقت ما، حتى و إن لم أرغب به، و إن كنت رأيته يزيد عن تحملي.

لكن اليوم تذكرت أحد المقربين مني، لا أستطيع التواصل معه منذ عام وأكثر، يمكننا أن تحدث ولكن لا صوتي يصل إليه ولا صوته يصل إلى. وهو أحد أسباب رغبتي في التغيير لأنه أطلعني على ضعفي الذي كنت لا أعترف به أو أتجاهله حتى لا أضطر للتعامل معه.

مع ذلك وجدت نفسي أتذكره كشخص لطيف، عندما رأيت شخص يتحدث عن طريقة الرجال في الاعتذار، وتذكرت أنه كان وما زال يعتذر دائما ويكرر اعتذاره دون ملل، ويعتذر بكل الطرق بأفعاله و أقواله.

أحب أي شيء يذكرني بأنني شخص جيد، لأنني دائما ما أنسى ذلك و لا أرى من نفسي سوى عيوبي.

بداية جديدة(3)

كنت أستمع لبودكاست في الأمس وإحدى مقدماته عاشت قصة تشبه قصتي إلى حد ما، درست في تخصص اللغة العربية لعامين ونصف ومن ثم حولت لعلم النفس وهو التخصص الذي أرغب بدراسته الآن ونفس المدة التي قضيتها في اللغة العربية ، ولكن السبب الذي دعاني للكتابة هو حديثها بشعورها باقتراب موتها، وهو ماحصل لي قبل ٦ أعوام.

كنا في طريقنا إلى المدينة بعد عمرة رمضان عندما قمنا بحفلة مبيت ونمنا جميعا، كانت أفضل نومة نمتها في حياتي حتى الآن، لكن استيقظت على صوت أختي تصرخ باسم اخي الذي يقود السيارة وامي وابي يكررون لا إله إلا الله. في البداية حاولت أن أمنع الحادث بأقدامي ولكن عرفت أن ذلك مستحيل واستسلمت للموت، كنت أفكر في تلك الثواني بأنني لست مستعدة ولم أفكر بموتي أبدًا قبل تلك اللحظة، مع ذلك لا يمكنني منع الموت من القدوم، دارت السيارة عدت مرات ثم توقفت، كنت الوحيدة في الكرسي الخلفي، لا أذكر وضعيتي، لكن أذكر أن والدي وأخي كانوا بسبب مخالفة سابقة حصلنا عليها في تلك السفرة يضعون حزام الأمان ولذلك كان رأسهم إلى الأسفل و أقدمهم إلى الأعلى، خرجنا من النافذة ورأيت أمي واقفة عند رأس أختي و شعرت براحة شديدة، لكن أخي الآخر كان فاقد للوعي ويتنفس بشكل غريب، لذلك بدأت أدور حول السيارة، أذهب لأمي وأختي، ومن ثم لأخي، و أعود أبحث عن حجاب أختي، ونقابتنا، أعود للسيارة أخرج الحقائب والمناديل و أرتب الأشياء، كأننا سنكمل الطريق مرة أخرى ، كنت الشخص الوحيد الذي يمكنه أن يبقى قوي، والدّي يأكلهم القلق بسبب إصابة أخي وأختي، و أختي مصابة وحتى الآن لا تتذكر الكثير من أحداث ذلك اليوم بسبب الصدمة التي حصلت لها، أما أخي الذي كان يقود فكان الشعور بالذنب يقتله.

بعد الحادث بفترة بسيطة شعرت بأنني سأموت قريبا، كنت متأكدة بأنني سأموت و أن كل من حولي يعرفون ذلك، ولأن جدتي رحمها الله توفيت في يوم الجمعة كنت أنا أيضا سأموت فيه، جاء يوم الجمعة وكنت أعيش في عالم آخر أشعر بأن قلبي سيتوقف في أي لحظة و أنني سأذهب لعالم الموتى، كل ما كنت أفكر فيه هو كيف سيتم إستقبالي في العالم الآخر، من قبل جدتي و خالي الذي توفي قبل ولادتي وصديق طفولتي رحمهم الله، كنت أشعر أنهم ينتظرونني ولأنني قرأت بداية كتاب الروح كنت أظنهم ينتظرون مني أخبار هذا العالم.

عندما استيقظت ولا أعرف كيف نمت، قررت أني لن أنتظر الموت بكل ذلك الهلع و سأستمر بالعيش بشكل طبيعي حتى يصل إلي. ومنذ ٦أعوام مازلت أنتظر الموت بنفس ذلك الخوف، كل عام جديد أعيشه يكون بمثابة الشيء المستحيل الذي حصل رغم كل الظروف، ولذلك استقبل يوم ميلادي بسعادة جديدة، فأنا لم أحلم بأن أعيش حتى هذا اليوم.

تلك الثواني التي استسلمت فيها للموت و ودعت الحياة، تعود لي في أحلامي دائما، يقول لي شخص ما بأنني سأموت، و أقول له بأنني لست مستعدة و أنني كنت لدي آمال وأحلام وكنت أنتظر حدوثها، و من ثم أخضع للأمر والواقع فلا أحد بإمكانه أن يهرب من الموت.

ولأنني في بداية جديدة أريد أن أتقبل هذه النهاية و أن أستعد لها و أن أعمل لدنياي و كأني سأعيش أبدا. نعم في أوقات كثيرة أنا أنتظرها بشغف شديد و لكن في أغلب الأوقات أخاف منها.

بداية جديدة(٤)

يمر أحد المقربين مني بفترة صعبة، وكعادتي في حمل هموم من أعرف ومن لا أعرف عشت معه تلك الفترة، حلمت أنني أحمله على ظهري و طلب مني أن أتوقف في مكان ما إذا أستطعت، قلت: سأحملك حتى تعود كما كنت. و أحب أن عقلي اللاواعي لطيف إلى هذه الدرجة، لكن منذ عودتي لعقلي الواعي-يع- و أنا أفكر لماذا لا يوجد في هذا العالم من يقول لك سأحملك حتى تعود كما كنت، لا أتحدث عن نفسي فلا أحد يريد عودة نسختي السابقة، بل عن الجميع، لا يمكن لشخص أن يتحمل غيره لفترة طويلة، دائما سنشعر بالملل بعد أيام معدودة، ونطلب منهم أن يتكيفوا مع وضعهم الجديد و أن يتقبلوه، أو أن يخرجوا منه، و كأن المشاعر أحذية يمكنك نزعها و ارتدائها في ثواني.

رحلة الإنسان في تقبل تقلبات الزمان وتحولاته طويلة، وكلنا سيمر بهذه الرحلة، وهناك من لا يتقبلها أبدا، يعيش عمره وهو يحاول أن يعيد الزمان للوراء، لأنه لم يجد رفيق يعينه في رحلته، و رغم وقوفه في نقطة البداية لأعوام طويلة، وعندما لم يسمع صافرة البداية، نظر في المدرجات و لم يرى من ينبأه أو يشجعه على الانطلاق.

أريد أن أعيش مع كل إنسان رحلته في التكيف والتعود على تجربة يراها عقبة في خطته التي رسمها لحياته، و أتمنى أن يمدني الله بالصبر الكافي، كي لا أطلب منهم أن يتوقفوا عن الحزن بعد أيام.

بداية جديدة (٥)

يمر الكثير من الأشخاص في حياتنا ومعهم الكثير من الأسئلة، و الحيرة، وبسبب جهلنا نحاول أن نحصل على الأجوبة منهم أو عبرهم، يكونون محور اهتمامنا، وهذه المحورية تدور كما يدور عقرب الساعة تعيد الأسئلة ذاتها في أوقات مختلفة .

حتى نعرف أن كل شخص منهم مجرد عابر، جاء بأسئلة علينا أن نعرف أجوبتها وحدنا، و أن الأجوبة تكمن داخلنا و أن البحث يجب أن يبدأ من ذواتنا وينتهي فيها. لكن إلقاء اللوم على غيرنا أسهل وطريقه مختصرة لا اعوجاج فيها، نجردهم من إنسانيتهم ونجعل منهم شماعة نضع عليها ثياب الحيرة والحزن والغصب، ونكون نحن وحدنا من نعيش هذه المشاعر وهم مجرد جماد “شماعة” لم يعرفوا الحيرة ولا الغضب ولا الحزن.

استيعابنا لدورنا في كل علاقتنا وتأثرنا بها وتأثيرنا فيها و عدم تهميش أهمية دورنا و أفعالنا و ردات فعلنا تساعدنا في فهم العالم و الأهم من ذلك تساعدنا في فهم أنفسنا.

أضف تعليق