كنت أظن أنني بمرور الأيام ستستقر روحي في هذا العالم، وستتقبله، لن أستيقظ في منتصف نومي وأتسائل عن معنى الحياة، لن أصاب بنوبة هلع لأنني لا أستطيع أن أتحكم بقلبي، أو لأنني لا أعرف متى سأموت، وأن كل الموتى كانت لديهم خطط للغد وللعام القادم وربما لعقدين أو ثلاثة.
لكن العالم يزداد غرابة وتعقيدا وتفاهة كل يوم بالنسبة لي.
والنفس البشرية هي أكثر ما يجعلني أرغب بالإنعزال والهرب.
كنت طوال عمري أظن أن الأذى يأتي من الخارج، لكن اليوم أوقن أن الإنسان هو الوحيد الذي يؤذي و يظلم نفسه، حتى وإن جاء من الخارج في حالات نادرة، لا يسبقه شيء في نفس الإنسان يتسبب به بطريقة أو بأخرى.
أحيانا أشعر أنني أمتلك زمام الأمور وأن فرحي وحزني بيدي، لكن كلما أوقفت حزن، جاء اخر أشد و أعظم.
أتذكر كلمات صديقتي عفاف؛ بأن الحياة لعبة، وأننا كلما أنهينا مستوى، ننتقل إلى مستوى أشد صعوبة، تؤكد لي أننا في المستوى الأخير سنصل إلى الكأس وسنفوز.
ولكن ما فائدت الكأس، بعد كل هذا الدمار الذي أصاب أرواحنا وأنفسنا.
وربما نستلم الكأس ونموت بعدها أو يكون هناك كأس اخر نحتاج إليه حتى يكتمل الفوز، ونستمر في محاولة جمع الكؤوس، إلى أن ننسى سبب فوزنا بها، وتصبح هي الجائزة الوحيدة.
كانت لدي دكتورة في الجامعة، أتذكرها دائما، أكثر من تذكري لأغلب من أعرفهم، سمعت قصتها وأنا في المتوسطة، وتأثرت بها، لما يخطر على بالي أبدا أنني سأراها، بعد أن أصبحت طالبة في قسمها بسنة، عرفت أنها هي التي سمعت قصتها قبل سنوات، لم تكن تشبه أبدا الصورة التي تخيلتها لها لا من قريب ولا من بعيد، كانت هي روح الجامعة، لا يمكن أن تنظري إليها ولا ترين ابتسامة او تسمعين كلمة تطيب الخطر، للأسف لم تظهر هذه الشخصية في تصحيح الواجبات والاختبارات، على كل، كنت أشعر طوال الوقت أنها مازالت في مرحلة الإنكار، بعد فترة حدثتنا عن رائد التنمية البشرية عند العرب ولا أريد أن أتحدث عنه فقد أفضى إلى ما قدم، لكنه كان يقول أن الذين ماتوا بسبب اختناقهم بالغاز كانوا هم المتسببين بموتهم، منتحرين يعني، ومات هو بسببه.
عندما تحدثت عنه فهمت كل شيء.
و أتذكر رؤيتي لها مع رئيسة القسم، وهي تحدثها عن فعالية قامت بها وتقول سنعيدها في العام القادم، مع أنها تعلم أنهم لن يجددوا عقدها لعام آخر، هي وأغلب الدكاترة، والكل يعلم، قلت لنفسي ربما، لأنهم يعرفون أنها هي روح الجامعة، لن يتخلوا عنها، ولكنهم تخلوا.
كانت هذه القصة وقصص أخرى كثيرة مررت بها أو رأيتها، تجعلني أختار اليأس، وأعتبر الأمل مخدر قاتل، بل أحتقره هو، وكل من يروج له ويحبه.
لأنني أرى أن الخسارة المتوقعة والمنتظرة، أقل مرارة و إهانة من خسارة لم تجد مكانها قد جهز لها.
كل الخسارات التي مررت بها وجدت لها كراسي وسرائر، ومساحات شاسعة للرقص والغناء.
أعتراف لم تعد لدي أماكن أجهزها لأي خسارة قادمة، ولذلك توقفت عن العيش.
لأن الطريقة الوحيدة للعيش هي انتظار الفوز والخسارة، وإذا لم تنتظر أي منهما، ستموت.
لم تعد طريقتي في اختيار اليأس صالحة للاستخدام.
لأنني استهلكت مساحات لم يكن لي حاجة بها، إسراف وهدر لا داعي لهما، أوصلوني للإفلاس.
أقف اليوم أمام روحي، وأحاول أن أقنعها أن تنسى الديون، أن تسامحني، وأنني سأبدأ من جديد، لن أفكر في الأمل ولن أجعله عدو، ولن أجعل اليأس عبد لي، سأقسم الموارد بشكل عادل، لكنها يجب أن تسمح لي بذلك، بنسيانها لديوني السابقة.أعلنت إفلاسي، وأنتظرت الجواب.
وأظن أنني بهذا الإعلان، سأبدأ من جديد، سأنظر إلى الحياة بعملية، لن أخاف منها، قد فرضت علي، ويجب أن أخرج منها بأقصى فائدة، وإلى المستويات، باحترافية، و بأن لا أستخدم كرت الضحية، كلما ضاقت علي الأرض وأنطبقت على السماء، وربما سأقتنع،بحقيقة أن لكل شخص في هذا العالم، قصة خاصة به.
طريقة مثالية للعيش؟ أيش رأيكم؟.