الرابعة فجرا

لا أشعر برغبة للكتابة في كثير من الأوقات، ولذلك أستقبل كل رغبة مفاجئة للكتابة بسعادة شديدة، وأرخي لها العنان أو أحاول على الأقل.

منذ زمن لم أكتب بتلقائية؛ أحبس كثير من الأفكار لأنها طفولية أكثر من اللازم أو لأنها تافهة، عندما أكتب لا تكتب فاطمة لوحدها، يكتب معي كل شخص أشعرني بأنني أقل مما ينبغى في كل شيء.

أرسلت قبل فترة تدوينة لشخص قريب، كانت تدوينة خاصة ولم يكن الغرض منها تقيمي ولم تكن استشارة ولم تكن صرخة استغاثة كانت مجرد تدوينة أنبأ فيها من أحبهم عن حالي، لم يقم هذا الشخص بأي رد عن فاطمة بل كان رده عن أسلوبها في الكتابة وهل ستصبح كاتبة يوما ما؟ وماذا عن مسيرتها التعليمية هل ستكملها؟ ولم يطرح الأسئلة كان يجيب ويأخذ القرار بنفسه.

أتعجب من الثقة التي يواجهني بها كل شخص يعطيني فيها رأيه سلبا أو إيجابًا، وكأنني بحاجة شديدة له و كأنني سأكون شخصا آخر بعد أن قال لي رأيه و سأغير وجهتي في الحياة بسببه ، ولكن أنا من كانت تطلب الآراء بلهفة شديدة وكانت تغير في نفسها كل ما لم يعجب غيرها.

لا أظن أن الكتابة شيء مستقل بذاته، و أستغرب من أي شخص يقول أنها شغفه أو أنها مهنته، الكتابة لا تأتي وحدها، معها دائما شيء يدعمها ويعطيها ما تقتات به أو بلغة اليوم”محتوى”.

وهذا “المحتوى” هو ما أبحث عنه و هو كنزي الضائع:(

لم أكتب حتى الآن تدوينة لائقة، كلما كتبته ثرثرة، أكتب الآن حتى تعود لي نفسي القديمة، أجعل من الكتابة حيلة أحتال بها عليها حتى إذا ما خرجت أمسكت بيدها ومنعتها من الرحيل مرة أخرى.

وصل المعاني

أكثر ما يسبب لي الضيق في هذه الحياة أنني لن أتوصل إلى معنى ما بمجرد سماع تجربة أو رأي شخص أثق به، ربما أتفهمه و أخذه معي في كل قرار أتخذه، وربما أعتبره حقيقة بديهية لا نقاش فيها ولكن لن أصل إليها، سأظل بجانبها أحميها من نفسي ومن الناس، دون أن يكون لي أي وصل!

معاني كثيرة أؤمن بها دون أن يكون لي أي صلة، قريبة أو بعيدة بها، مثل التوكل، أتأثر بحديث”لو أنكم تتوكلون على الله حقَّ توكُّله ؛ لرزقكم كما يرزق الطيرَ : تغدوا خماصًا وتروح بطانًا”، و تهزني آيه “وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ ۚ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا” ولم أعرف التوكل يوما، ولم ألمسه بيدي.

ما زلت ابحث عن الرزق و السعادة في كل شيء، سوى الله، وما زلت أخاف من أن لا توصلني نفسي لما أريد، أخاف من أن أفقدها في منتصف الطريق، و من أن تفقد الأمل زادها الوحيد.

وما زلت أشعر بالضيق كل ما فقدت سبب كان يمدني بالحياة، دون أن ألجأ إلى المسبب ودون أن أبحث عنه.

أتمنى لو أن المعاني تصل إلى من تلقاء نفسها، أن أستيقظ و قد وجدت، التوكل، والرضا، بجانبي و قد كفيت وعثاء السفر وشدته وطوله.

يا رب المعاني و موصلها، يا من عرفت العارفين بيك و كفيتهم بك عن ما سواك، عرفني بك و علمني كل ما يرضيك ويوصلني إليك.

في معنى أن تفقد الأُنس بنفسك

في الفترة الماضية كنت أشعر بالفقد، ولم أكن أعرف ماهو الشيء الذي أفتقده، كانت أغنية فيروز أنا عندي حنين ما بعرف لمين تتردد داخلي، و ليست الكلمات التي تترد بل المعاني.

الفقد كما يصفه كثير من الكتاب بكل اللغات، حفرة في القلب، كانت مملؤة بشيء ما و أفرغت، وهذا ما شعرت به، ولذلك “عديت الأسامي ومحيت الأسامي” و مع أنني في الفترة الماضية أنهيت بعض الصداقات وسطحت البعض الاخر، لم يكن هذا سبب الشعور بالفقد ، كنت أنا من أفتقدها.

لم تعد لي القدرة بالأُنس بنفسي، لفترة طويلة كنت مكتفية تماما بها، وكنت أظن أن بإمكاني أن أعتزل العالم في أي وقت.

لكن الآن أنا أبحث عن الأُنس في كل شيءٍ سوى نفسي، أحتاج دائما لصديقة تتحدث معي، تخرجني من عالمي إلى عالمها، أحتاج إلى تويتر و تغريداته التي تجعلك في حالة من تقلب المزاج كل خمس دقائق، و إلى أي شيء سيسمح لي بالهروب من فاطمة.

لا يمكن للإنسان أن يعيش حياة طبيعية إذا كان أعتماده الكلي في السعادة على شخص آخر، ولا بد لك من صداقة نفسك و من الاكتفاء بها، حتى في الأوقات الصعبة لن يجد الإنسان سوى نفسه، قيل لي عندما كنت أمر بنوبة هلع و أتسائل لماذا ليس لدي أي مساحة آمنة للجوء إليها في وقت الخوف؟ ” ماحد حيساعدك إلا نفسك” ومع أنني كنت أعرف ذلك و وأكرره لنفسي إلا أنني لم أقتنع به تماما إلا عندما سمعته مع غيري.

هذه ليست دعوة من دعوات مراهقين تويتر بالهروب من كل العلاقات، ونكاتهم التافه بأن الشاورما لا تخون وكل ذلك الهراء، بل على العكس أنا ممتنة جدا لكل الأصدقاء اللذين لولاهم لما تمكنت من النجاة من كثير من الأشياء، هي دعوة لترك الهشاشة النفسية و الطفيلية في جعل الاخرين سبب نعيش به و نعتمد عليه.

ليه فطوم حذفت الترم؟

كنت في جلسة عائلية بعد الإفطار و نحن نشرب آتاي قال أخي أحمد: بعد ٤٠ عام فطوم حتكتب سيرتها الذاتية و نعرفو ليه حذفت الترم.

ولأنني لا أعرف إن كنت سأعيش حتى ذلك الوقت وهل سأكتب سيرة ذاتية ولماذا سأكتبها أصلا؟ قررت كتابة هذه التدوينة لنعرف جميعا أنا ومن أحب سبب حذفي للترم.

في أيامي الأخيرة في الفصل الدراسي كنت امر بظروف صحية ونفسية، كنت أستيقظ ولدي شعور بأن معدتي احترقت، و كأنها وبينما أنا في نومي السيء المتقطع كانت هي تطبخ على نار هادئة بشدة مثل الفول الذي كتب عنه كاتب مصري لا أذكر من هو -كالعادة- كان يضع الفول على النار قبل نومه ليأكله هو و أهله في الصباح، كانت معدتي تطبخ وتعد على مهل لاستيقظ وأجد طعم لا أعرف ما هو ولكنه متعب، متعب لأنني أحمله معي طوال اليوم في الصلاة في الدرس في طريق العودة والذهاب إلى الجامعة، أكثر ما كان يخيفني في تلك الفترة هو أنني كنت مرتاحة لفكرة الموت بل كنت مشتاقة جدا له وكأنه صديق من طفولتي، عرفت أطواره و تبينت أحواله، لا يخفى علي منه شيء، وكان الفكرة الأولى التي أستيقظ بها.

كانت البداية مع سؤال: إذا قدر لي أن أرى نفسي في سكرات الموت، ما الشيء الذي سأشعر بالحزن لإنني لم أعشه و لم أعطيه وقتي واهتمامي، وشعرت أن تخرجي من الجامعة لن يكون من قائمة الأشياء التي سأتحسر عليها، و أنني لا أراها مهمة أبدا، بل واجب اجتماعي فقط، لإن سوق العمل والرأسمالية ليس لهم حاجة بخريجة لغة عربية.

عرفت أيضا أنني لا أصلح للغة العربية، و أنني رغم حبي لها لا أرى نفسي فيها، و أنني لا أحب الكتابة بالشكل الذي كنت اتخيله.

ولكن في الوقت نفسه شعرت أن سبب هذا هو حالتي الصحية والنفسية و ربما علي أن أعتزل كل شيء ليصفو ذهني وتتضح رؤيتي.

لا أعرف إن كنت وصلت حالة من صفو الذهن و اتضاح الرؤية حتى الآن، مع أن حالتي الصحية مستقرة إلى حد ما ونفسيتي ليست سيئة ربما يكون السبب توقفي عن التفكير في الموضوع منذ فترة.

لكن لست متفائلة، لا أظن أنني سأجد ما أبحث عنه إذا كنت لا أعرف ماهيته، أؤمن أن السؤال المناسب سيجد الإجابة المناسبة، و أنا لا أعرف السؤال، كيف سأجد الإجابة؟.

ومع أنني لم اعطيكم إجابة تشفي صدوركم، إلا أنني أكره أن أجعل من أحبهم في حيرة ولا أريد أن اثقل عليهم بالبحث عن الأجوبة، أحب أن يكونوا في الجانب الأبيض مني، لا الرمادي و لا الأسود.