لا أعرف كيف يكون شيء قريب في الزمان و بعيد في الوجدان. لم تمر ثلاث أشهر على كثير من الأحداث المهمة، وأشعر أنها بعيدة جدا، بل أنني أنساها تماما وتمر الأيام دون أن أفكر فيها، وأحداث أخرى حدثت منذ عقدين تعيش في ذاكرتي كل يومين هذه الفترة.
لا أفهم عقلي ولا أفهم لماذا يريدني أن أتذكر هذا الحدث، كل ماكبرت شعرت بإنعدام إرداتي بشكل أو بآخر، عقلي وعاطفتي يتصرفون دون أخذ رأيي، قد يقول شخص ما؛ هذه هي الإرادة تصرفات تنبع من العقل والعاطفة. ولكن هذه التصرفات دائما ما تكون خارجة عني، عن فاطمة، لا تشبهني، ولا تشبه أي شخصية قد كنتها يوما ما.
المهم الحدث الذي حصل من عقدين وأتذكره بشكل متكرر هذه الأيام، هو تعرضي أنا وأحد أخوتي لمحاولة قتل، لم أعبر عنها قبل هذه الأيام بهذا الاسم.
كل ما أتذكره هو أنهم قالوا لنا أنهم سيلقوننا في الوادي وأن البعبع سيقوم بأكلنا لكن أخي العقلاني، كان ينكر وجود البعبع ويقول لهم أنه كائن أسطوري، وكانوا يقولون له سنرميك في الوادي لتعرف إن كان حقيقي أم لا، في وسط هذا الجدال جاءت أمي من بعيد وأنقذتنا من الموت دون أن تعرف.
صورة أمي وهي تنادينا من بعيد تتكرر في أحلامي، أكون في صراع مع قوى غريبة، وأرى أمي وهي تناديني أركض نحوها، لينتهي الكابوس.
هل سبب تذكري لهذه الحدث هو أنه أول مره شعرت فيها بالخوف وبالنهاية وبالقرب من المجهول، كان عمري في هذا اليوم لا يزيد عن خمس أعوام، وكنت أرى نفسي في الوادي أسبح مع البعبع، يحاول أكلي، وأحاول الهروب منه، كانوا يتحدثون، وكنت أعيش ما يتحدثون عنه، وأنا واقفه بينهم، الغريب أنني لا أعرف كيف وصلنا إلى الوادي، ولا مالذي حدث بعدما وصلنا إلى المنزل، كل ما أتذكره أنني كنت أريد أن أنقذ أخي، لا أريد أن أتركه وحيدا بين هؤلاء الوحوش.
لا أفكر في هؤلاء المجرمين لا لأنني عفوت عنهم، فأنا مازلت لا أثق بهم وأشعر بالخوف على كل من يرافقهم من أقاربي وأحيانا بالغضب، في نظري هم مجرمين ويجب أن يكونوا في السجن الآن، ولن تنتهي القضايا التي سيحاسبهم القانون عليها، سيكون سجنهم كجلود أهل النار، كلما أنتهى جدد لذنب آخر ولقضية أخرى. لا أتذكرهم بل أنني نسيتهم لسنوات، وعندما رأيتهم صدمت أنهم مازالوا أحياء.
لكن لأنني أشعر أنهم أقل من أن أفكر فيهم، أشعر بالخجل من جروح تسبب بها صعاليك وحثالة.
ربما يكون احتقاري لهم آلية دفاع تمحوهم من ذاكرتي وترفض الإعتراف بأي أذى تسببوا به
مع أنني في الحقيقة أتمنى أن يعتذروا لي ولأخي وأرى الشعور بالذنب على وجوههم ولو لمرة واحدة في حياتهم.
جروحي من أقاربي وأهلي تعيش في ذاكرتي دائما، لها موعد سنوي تزورني فيه، أعيش خلاله في منفى، لا يعيشه فيه غيري، وأغذي وحدتي، وفرديتي خلاله.
طورت آلية دفاع تمنعني من الحب، لأنني عرفت أن أسوأ الأحزان تأتي لأننا نحب من تسبب بها أو من حصلت له.
لم أعد أشعر بالحب بشكله الأول والأصلي، أنا أرى أثاره فقط، في خوفي من الفقد، وحزني على النهايات.
أحاول أن أعرف، هل ما أمر به طبيعي، هل أخرجت كل حزني على تلك الخسارة، أم أنها ستباغتني فجأة بعد أن أكون قد نسيتها، أم أنه العمر، يجعلنا نفكر بعقلانية ونخسر العاطفية، لأنها كانت فرصة في ذلك الوقت، شعرت أني خسرت، وخلال شهر واحد تغيرت رغباتي وقناعاتي، لم أعد أشعر بالخسارة بل بالنجاة.