سوالف..حزينة شوي

تعرفت في ٢٤ على المرض؛ كنت مع جدي في أيام لم أحكي عنها ولم أرغب بمشاركتها، لكنها كانت أصعب الأيام. 

تعلمت في تلك الأيام- مع أنني من الطبيعي- كنت  أعرف ذلك ولكن شاهدته وتأكدت منه،  أنني لا حول لي ولا قوة. 

كنت كلما بدأ جدي بالأنين، بكيت، و في أيام المستشفى كنت أركض خلف الممرضات، وأطلب منهم أن يعيدو لجدي صحته، وعندما كنت وحدي في البيت، كنت أتصل بأخي أو أصرخ باسمه، وكأنه يملك عصا العافية والصحة، وسينهي الألم بوجوده فقط.  

كنت قد تخلصت من نوبات الهلع ومن صدمتي بموت جدتي رحمها الله، لكن في تلك الأيام، كنت أشعر أن وفاتها حدثت قبل أيام أو قبل ساعات. 

ما زلت أشعر بالمرارة، بسبب الوحدة التي كنت أمر بها في ذلك الوقت، مع أنني كنت في مدينة، لا يفتقد فيها قريب أو صديق، ولكن تقلص عددهم و لم أجد غير صديقة واحدة. 

لكن في الوقت نفسه، أشعر بالراحة، لأنني لا أرى لأي أحد من الناس، حق عندي. 

ضاعفت وحدتي من الآمي وقتها، مع أنني لم أكن أجد وقت للحزن، غير ثلاث أو أربع ساعات في آخر الليل، ولكنها كانت كافية. 

قبلها بأشهر قليلة كانت عملية والدي، وكنت بعيدة في مدينة أخرى، ولم أنسى أبدا أنني لم أستطع أن أعتذر منه عن عدم حضوري إلا بعد أن تأكدت أنه خرج من العناية وأنه سيقرأ رسالتي، استقبلني عند وصولي في المطار، بعد أقل من ١٠ ساعات من خروجه من المستشفى، وشاش العميلة مازال مربوط على رأسه، كانت أسعد لحظات حياتي، وستبقى. 

في ٢٥ كنت في أقرب وأبعد نسخة مني، في النصف الأول كنت أريد أن أتخلص من وحدتي فقط، وأن أشعر بأنني حية بأي طريقة كانت، كنت أركض، أرفع الأوزان، أقلل سعراتي لأقل حد، لأنظر في المرآة، وأقول أنني أبدو انحف وأجمل. 

في منتصف السنة توفيت زوجة خالي رحمها الله، ولم أحزن على أحد بقدر حزني عليها، إلا جدتي رحمها اللّه. لأنها كانت أم لي، لسنوات، ولا أظن أن امرأة أخرى، كانت ستصبر صبرها علي، مسؤولية لم يكن لها أي صلة بها، فرضت عليها، وتقبلتها، رحمها الله. 

وأحداث أخرى، ربما سأكتب عنها يوما ما، وربما لن أكتب أبدا. 

لكنني، عشت، ورأيت، وشعرت، وهذا يكفي. 

والأهم من هذا كله، أنني رضيت. 

لم أسأل لماذا، ولم أهتم، لأنني أعرف أنني، لن أفهم الجواب، وأنني لن أغير الأقدار، وأنني سأخرج من هذا كله بفائدة. 

لم يحصل أي شيء في حياتي، إلا ورأيت فوائد له، أحيانا بعد شهور وأحيانا بعد أعوام، في النهاية دائما أنظر إلى حدث حصل في الماضي، وأقول لو لا أني قد مررت بذلك الشيء، لما استطعت أن أخرج من ذلك الموقف بعقل وقلب سليمين.  

مجرد قدرتي على التفاعل، على أن أرى مايشعرني بالحزن، فأحزن، أو ما يشعرني بالرضا، فأرضى، نعمة عظيمة، شعرت بها في ٢٥ بعد سنوات من الغياب. 

كتبت تدوينة في ٢٣ اسمها كل الأشياء، عن جرح، تسبب لي بالأذى، ومنعني من الحياة، تخلصت من هذا الجرح.  

وشعرت بسبب تخلصي منه، أنني لا يمكن إيقافي، وأنني سأتخطى الصعاب كلها. 

وعرفت أن الزمان فعلا هو الكفيل بالعلاج، لكن لا يوجد مدة زمنية محددة، قد يستغرق الأمر شهور، أو سنوات. 

بعد مرور أكثر من عام على ذلك الجرح، ظننت أنه جزء من هويتي، بل أنني في بعض اللحظات، شعرت أنني لم يتبقى مني إلا شظايا وحطام، وهو الباقي مني. 

لكنني اليوم، لا أرى منه إلا أثار، بل أنني لا أرى أي شيء، لكنني إذا مررت به شعرت أن لي هذه الأرض أهل تركوها. 

ولهذا أشعر أن ٢٠٢٥ أفضل سنة في حياتي، رغم الفقد ورغم الأحداث الكثيرة المؤلمة، تخلصت من شيء ظننت أنه سينكد علي نومتي في البرزخ، وعدت للحياة. 

أضف تعليق